كان جمهور ومناصرو قوى "8 آذار" يظنون أنّ حكومة خالية من قوى "14 آذار" ومن صقور السّياسة، سوف تتألّف سريعاً، لغياب السّباق السياسي القائم بين فريقين تقليديين: 8و14آذار. لكن المسار الذي سلكته عملية التأليف أحبط ذاك الجمهور الذي إعتبر أنّ قياداته خذلته بسبب صراعاتها وعدم تقديم تنازلات لتسريع ولادة حكومة تحدّ من الإنهيار الإقتصادي والمعيشي.
صبّ صحافيون ومحلّلون سياسيون محسوبون على قوى "8 آذار" إنتقاداتهم بحق تلك القوى، وعبّروا عن الإمتعاض علناً، عبر الإطلالات الاعلاميّة الالكترونيّة وعلى الشاشات التلفزيونيّة على مسمع ومرأى الرأي العام: ماذا تنتظرون بعد؟ ألا تكفي وقائع الألم الشعبي؟ وهل تتحمّل المرحلة كلّ هذا الترف من أجل حقيبة أو لزيادة وزير على الحصّة الحكوميّة؟ ماذا سنقول للمواطنين إزاء تضييع الوقت؟.
لم يستطع "نجوم الشاشات" الدفاع عمّا يجري بشأن الإختلاف على الأحجام والمحاصصات. يقولون إن تردّي الأوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة، ووجود التحدّيات السياسية، كان يُفترض أن تدفع المشاركين في الحكومة لتقديم تنازلات متبادلة، لا التصلّب في المواقف والمطالبة بحقائب وزارية وأعداد متزايدة.
يمكن رصد تلك الإنتقادات في جلسات المواطنين الذين وُعدوا بتأليف حكومة سريعاً من دون تأخير. هم يتابعون أنّ الحزب "الديمقراطي اللبناني" يريد حصّة وازنة بحجم طائفة الموحّدين الدروز، والحزب "السوري القومي الإجتماعي" يرفض التنازل عن مطلب تمثيله في حكومة اللون الواحد أو التمسك بالنقيبة أمل حداد لنيابة رئاسة الحكومة، وتيّار "المردة" يريد وزيرين "كي يمنع تفوّق التيار الوطني الحر في موازين الحكومة"، و"الوطني الحر" يسعى لإمساك اللعبة داخل مجلس الوزراء، و"الثنائي الشيعي" يرفض تقديم أسماء وزرائه الاّ قبيل توقيع مراسيم الحكومة الجديدة في القصر الجمهوري.
كل ذلك لا يعني المواطنين، خصوصاً أن جزءاً من السباق هو بأبعاد طائفيّة ومذهبيّة وحزبيّة ضيّقة، بينما يريد اللبنانيّون حكومة فعّالة منسجمة وقادرة على وقف الإنهيار وضبط التدهور وفرض الثقة بالبلد وقطاعاته. لا يعني اللبنانيون ايضاً ان يكون الوزير صاحب إختصاص لكنه مقيّد بحساباته، وغير قادر على الإندفاع نحو ترجمة المصلحة الوطنيّة، بل تعنيهم حاجة البلد إلى وزراء شجعان، يتوجّهون نحو تفعيل شعار مواجهة الأزمة بروح وطنيّة، لا يتعبون ولا يتلكأون ولا تُضعفهم الحملات مهما كان حجمها.
لذا، يترقب جمهور "8 آذار" المُحبط أن يستيقظ المعنيون بمسار الحكومة من سباتهم لوضع القطار على السكّة والإنطلاق سريعاً. لم يعد يستطيع أحد تأخير سبل المعالجة. آن الأوان لولادة الحكومة قبل أن يخرج مناصرو اللون الواحد ضد قواهم المُشتّتة عند زواريب مصالحها.
لن يكتفي هؤلاء ايضاً بإعلان حكومة جديدة، بل سيرصدون عملها: هل تبدأ بالعمل الإقتصادي من خلال ملاحقة ومحاسبة الفاسدين ووقف مزاريب الهدر؟ انّها الخطوة الاكثر الحاحاً والتي تعيد الثّقة الشعبيّة بدور الدولة. هل تبدأ جردة الحساب مع مصارف وصيارفة للحدّ من تفلّت سعر الدولار الأميركي أمام الليرة؟ تعني تلك الواقعة أنّ الحكومة تمضي قُدُماً لإعادة إنتظام دورة المال في الدولة، ومنع ان تكون تداعيات الأزمة على حساب جيوب المواطنين. هل تبدأ ايضاً بوضع أسس حلّ الأزمة عبر خطط سريعة قريبة وبعيدة الأمد في الزراعة والصناعة، فيما السّياحة مرهونة بإستقرار وضع البلد؟ إنّ مصارحة المواطنين تكون عبر إطلاعهم على تدابير واجراءات الحلول الإقتصاديّة الناجحة في مسار تحويل الدورة الإقتصاديّة من اقتصاد ريعي الى اقتصاد انتاجي بطريقة متدرّجة.
كل ذلك مرهون بقوى اللون الواحد التي تستطيع ان تكسب تأييد كل اللبنانيين لو أرادت. رغم معرفة المواطنين أنّ جزءاً أساسيّا من الحل يكمن في الزوايا السّياسية ذات الأبعاد الخارجيّة. لكن الإجراءات الداخليّة تعيد إنتظام جزءاً من فاعليّة الدولة وتفرض صبر المواطنين على المحنة.